التوتر جزء أساسي من حياتنا اليومية. سواء كنت بتشتغل، بتدرس، أو حتى بترعى بيتك، دايمًا في ضغط وتوتر حوالينا. ممكن تحس بالتوتر بسبب زحمة الشوارع، أو بسبب امتحان مهم، او قرار فارق، أو حتى بسبب مشوار مش عارف تلحقه. التوتر بقى مرتبط بكل حاجة، من الشغل والعيلة لحد الأخبار والسوشيال ميديا. لكن مش ده التوتر اللى جاى اكلمك عنه، انا هنا هكلمك عن التوتر اللى بيمنعنا من الحياة، بيمنعنا نتكلم بثقة، بيمنعنا نخوض تجارب جديدة، بيمنعنا نتشجع فى مواجهة التحديات.
رغم السمعة السيئة للتوتر، منظورى عنه اتغير بشكل جذري بعد ما عرفت عنه اكتر من الناحية العلمية ويمكن المعرفة دى هى اللى ساعدتنى اتعامل بشكل فعال مع شعورى بالتوتر بدل ما كنت بسيبه يتحول لقلق وتفكير مفرط واحيانا ضغط نفسي.
زمان وانا فى الجامعة كنت بتوتر جدا من الظهور والاحتكاك بالناس الغريبة، كنت بحس انى ممل ومعنديش حاجه اضيفها وكنت كمان بخاف واتوتر لما دكاترة الجامعه يسألونى سؤال معرفش اجاوبه رغم ان ده عمره ما حصل اصلا لانى كنت بقعد مستخبي فى اخر المدرج واحيانا كتير ما كنتش بحضر المحاضرات لكن الاكيد انه حصل معايا كتير خلال سنوات الدراسه فى المدرسة وكنت بشعر بإحراج شديد قدام زمايلي، مجرد تخيل احتمالية حدوث الموقف ده مره تانيه وانا فى الجامعة كان كافي يخلينى اتوتر. مريت بتجارب كتير كانت دايما بتوترنى وتفسيرى دايما كان انى طالما متوتر ده معناه اني فى خطر او مهدد بشكل ما والا ما كنتش هتوتر بالشكل ده. بس دلوقتى انا قاعد اضحك على قد ايه انا كنت جاهل لان دلوقتى انا بقول لنفسي عكس الكلام ده تماما، دلوقتى لما بتوتر من حاجه معينه سواء قرار او تجربة جديدة بقول لنفسي هو ده بالظبط اللى انا محتاجه - شوية توتر. خلينى اشرحلك ايه اللى حصل.
التوتر والحركة
تعرف إن من غير شوية توتر، مش هتقدر تقوم حتى من على السرير الصبح؟ آه، التوتر اللي دايمًا بنحاول نهرب منه هو نفسه المسؤول عن إنك تتحرك وتنجز مهامك اليومية. والسبب في ده هو هرمون الكورتيزول، المعروف بـ "هرمون الحركة".
الكورتيزول هو هرمون بيُفرز من الغدة الكظرية في الجسم، ووظيفته الأساسية هي مساعدة الجسم على الاستجابة للتحديات. لما بتصحى من النوم، جسمك بيبدأ فى افراز هرمون الكورتيزول تدريجيا (هرمون الحركة). الكورتيزول بيحفز الجسم عشان يحول الطاقة المخزنة فى جسمك لوقود سريع يستخدمه في الحركة والنشاط، جسمك فىى الحالة دي بيشعر بمستوى مقبول من التوتر وده شئ صحي جداً، لكن في نفس الوقت، لو الكورتيزول زاد عن حده، بيبقى مصدر للتوتر والقلق وبيدخل جسمك وجهازك العصبي فى حالة معروفة بـ المواجهة او الهروب - the fight or flight response.
إمتى التوتر بيتحول لمشكلة؟
علمياً، التوتر هو رد فعل طبيعي من الجسم لما يواجه اى تهديد أو تحدي. لما بنقابل موقف فى تحدي، المخ بيفرز هرمونات زي الأدرينالين والكورتيزول. الأدرينالين بيزود ضربات القلب وبيسرع ضخ الدم للعضلات، والكورتيزول بيزود السكر في الدم عشان الجسم ياخد طاقة زيادة عشان نبقى جاهزين نتحرك بسرعة لو الموقف محتاج لحد هنا انت كسبان طاقة، قدرة عالية على التركيز وسرعة ردة الفعل بس الخطر هنا هو ان كل ما زاد التوتر كل ما زاد النشاط فى جميع العضلات والاجهزة الحركية فى الجسم على حساب النشاط فى جبهة المخ الامامية المسؤوله عن التفكير واتخاذ القرارت وهنا بيحصل حالة من عدم التوازن بتظهر بضعف القدرة على التفكير وعشان كده الناس لما بتتوتر بزياده فى اى موقف بيقولوا حاجات غبية وبيتصرفوا بشكل غبي مش عشان هما اغبية لا سمح الله ولكن عشان فى حالة التوتر الشديد الاولوية بتكون تجهيز الجسم للحركة وليس التفكير والتحليل والتصرف بحكمة. مثلا لو فى طالب مذاكر وحافظ المنهج بالكامل ودخل الامتحان وحصل موقف دفعه للتوتر بشكل كبير ممكن جدا ميقدرش يفتكر اى حاجه هو كان مذاكرها وحافظها، وبدون قليل من التوتر مش هيقدر يركز ويتفوق فى الامتحان.
بإختصار قليل من التوتر شئ ممتاز، الكثير من التوتر شئ ( …… ) املى الفراغ بأى شئ سئ.
من التوتر والرغبة فى الهروب اللى الحماس والرغبة فى المواجهة
فيه دراسات أثبتت إن فيه علاقة وثيقة بين التوتر والحماس. الاتنين بيسببوا نفس الأعراض: ضربات قلب سريعة، تنفس سريع، واهتمام وتركيز عالي. الفرق بيكون في نظرتنا للموقف. لو شايف الموقف كتحدي إيجابي، هتحس بالحماس بدل التوتر. زي اللاعب اللي قبل ما يبدأ المباراة بيحس بضربات قلبه تزيد، لكن بيعتبر ده حماس للنجاح مش خوف.
لو بتمر بموقف اعتيادى او غير مهم فى يومك مش هتتوتر، لو بتمر بموقف جديد او غير مألوف احتمال كبير تتوتر، الموقف الاعتيادى خالى من التحدي لانك مجربة كتير، الموقف الجديد فيه تحدي لأنك غير معتاد عليه.
المشكلة هنا فى تفسيرك للتغيرات اللى بتحصل فى جسمك من سرعة نبضات القلب وسرعة التنفس زى لما حد يطلب منك تتكلم فى اجتماع او شخص غريب يفتح معاك كلام وانت اصلا انطوائى وخجول. فى المواقف دى سهل جدا تفسر ردة فعل جسمك على انك فى المكان الغلط او بتتعرض للخطر او التهديد او على انك على وشك تحرج نفسك وتضحك الناس عليك. التفسير ده بيزيد من حدة التوتر اضغاف وبيشل قدرتك على التفكيراكتر واكتر وافكارك بتتحقق وفعلا بتكون عرضة لمزيد من الاحراج والفشل. النتيجة دى بسبب افكارك ونظرتك للتوتر وليست بسبب التوتر ذاته. هشرحلك:
لما بيحصلك حدث يشعرك بالتوتر الشديد، دورة حياة الشعور ده فى جسمك لا تتعدي الـ 90 ثانية وبعدين بيختفي طالما محصلش حاجه جديدة تدفعك للمزيد من التوتر لكن السبب الوحيد اللى بيخليه يزيد ويتفاقم ويشل تفكيرك هو تفسيرك له يعنى طالما انت بتفسره على انك مهدد وعرضه للخطر او الخسار كل ما جسمك هيرفع حالة التأهب والإستعداد اكتر واكتر بإفراز المزيد من الكورتيزول والادرنالين لحد ما تلاقى وشك احمر، معدتك بتتلوى، وكفوف ايديك عرقانين ودرجة حرارة جسمك بتعلى وكل ده نتيجة للزيادة الرهيبة فى معدل نبضات القلب واستدعاء الجسم لمزيد من الطاقة. دى طريقة الجسم فى التعامل مع المخاطر المميته وكأنك ماشي فى شارع لقيت فى اسد طالع يهاجمك وعايز يفترسك، الطاقة دي موجوده عشان تنقذ حياتك فى المواقف اللى زى دى لكن اكيد انت مش محتاج كل الطاقة دى عشان تطلع تتكلم وسط مجموعه من الناس.
فى عالمنا دلوقتى ناس كتير عايشين فى اماكن وظروف امنه وهادئه تماما لكن طول الوقت بيهربوا من اسود وحيوانات مفترسه موجوده بس جوه افكارهم، واسوء مخاوفهم بتتجسد فى مواقف لا تستدعى كل الكم ده من التوتر والخوف. فتلاقي الشخص بيترعب يتكلم مع حد عنده سلطة، او يبدي اعجابة بشخص او يعرض فكرة فى اجتماع وخلافة.
جرب تشوف التوتر على انه وسيلة جسمك للاستعداد لمواجهة تحدي وليس وسيلة جسمك لحمايتك من تهديد وتجنب التحدي.
التفسير الاول بيخليك مع الوقت تشعر بالحماس وتشوف ان الطاقة اللى فى جسمك دى موجوده عشان تساعدك على التركيز والأداء بأفضل ما يمكن، بينما التفسير الآخير بيخليك دايما تشوف اى موقف او تجربة او تحدي جديد على انه تهديد وده كافي يدفعك للهروب والانطواء.
من التهديد والخطر الى الفرص والتحديات
لما بدأت اشتغل فى مجال التدريب كنت بتوتر جدا فى كل مره بطلع فيها على مسرح او اقدم تدريب لمجموعه من الناس وكنت دايما بحاول اقاوم التوتر وارفضه وللاسف كان بيزيد وكان بيبان عليا وعلى حركة جسمى ونبرة صوتي لحد ما سمعت واحده معروفه فى مجال تطوير الذات اسمها ميل روبنز وهى بتحكى عن تجربتها مع نفس المشكله وازاى قدرت تتجاوزها بحركة بسيطة جدا لكن فعاله، كانت كل ما تشعر بالتوتر تقول لنفسها انا متحمسه ، جسمى متحمس، جسمى بيستحضر الطاقة اللى محتاجها عشان انجح.
وهى دى الحقيقة لان الحماس والتوتر اللى اتنين بيكونوا نتيجية افراز الجسم للكورتيزول والادرينالين وفعليا فى ٩٩٪ من مواقف حياتنا اليوميه الفرق الوحيد فى الحالة هو تفسيرنا ليها. من وقتها اخترت انى اشوف نفسي متحمس مش متوتر ومافيش شك انى بمجرد ما تبنيت التفسير ده بقيت مستريح جدا وواثق فى نفسي وفى قدرتى على ادارة حالتى الشعورية فى كل المواقف الاجتماعيه والمهنية علماً أنى كتير قدمت برامج تدريبية لمجموعات كبيرة من الناس ووقفت على مسارح وعملت جلسات كوتشينج لمدراء تنفيذين واشخاص اكبر منى سناّ واوسع منى خبرة وكل مره كنت بتوتر او بشك فى قدرتى على النجاح كنت بفكر نفسي انى متحمس للتجربه وان جسمى بيتهيأ وبيستعد للتحدي لانه فعليا بطلت اشوف التوتر على انه تهديد.
يمكن صعب تفكر بالشكل ده وانت متوتروفى قلب الحدث وهنا بيكون فى دور مهم جدا للتنفس بعمق. اسهل واسرع طريقة علمية لتهدئة جهازك العصبي هو تمرين تنفس اسمه Doublet Breathing ممكن تبحث عنه وتشوف فيديوهات ازاى ممكن تعمله، ببساطه لما تشعر انك متوتر وافكارك سلبيه ومش قادر تتحكم فيها، خد شهيق مرتين ورا بعض بسرعه بعدين خرج الزفير ببطئ على قد ما تقدر، اعمل كده لمدة ١-٥ دقائق وهتشعر بهدوء وهتستعيد سريعا قدرتك على التفكير بوضوح وهنا هيكون عندك فرصه تقول لنفسك بوعي انك متحمس و مستعد للتحدى.
تمرين
وانت مغمض عنيك وقاعد فى مكان هادئ تماما، فكر فى اكتر موقف بتشعر فيه بالتوتر واستحضر الموقف بكامل تفاصيلة ( المكان، الاشخاص، الموضوع، الخ ) استحضر الموقف وتخيله لحد ما تشعر ببعض التوتر، انتبه لجسمك واستشعر التغيرات اللى بتحصل فى جسمك وابدأ خاطب نفسك وبالاخص الجزء المتوتر فى جسمك واشكر جسمك انه بيجهزك للتعامل مع الوقف بشكل ناجح، اشكره انه فى صفك، اشكره انه بيرفع نشاطك وقدرتك على التركيز وسرعة البديهه، بعدين راقب مستوى التوتر فى جسمك ولاحظ شعورك. مع بعض الممارسة هتقدر تعمل برمجه لجهازك العصبي على ادارة التوتر لما تكون بتواجه نفس الموقف فى الواقع، والسر فى فاعلية التمرين ده هو انه العقل الباطن مش بيفرق بين الحقيقة والخيال، اللى انت بتدربة عليه وانت مغمض عينيك هو نفسه اللى هيعمله وانت مفتح عينيك بشكل تلقائى.
الكلام ده مش مجرد كلام كتب رغم انه علمى الى ابعد الحدود وتقدر تتأكد بنفسك، لكن الاهم بالنسبة لى انى لما اتبعته قدرت اتغلب على 90% من التأثير السلبي للتوتر فى كل مواقف حياتى الشخصية والمهنية وكان له ثأثير مضاعف على ثقتى بنفسي.
لما تعرف تتعامل مع التوتر بشكل صحيح، هتقدر تحوله من حاجة بتعطلك لحاجة بتدفعك للنجاح.