أول مرة دخلت على السوشيال ميديا كانت سنة ٢٠٠٩. عملت حساب على فيسبوك تقريبا بعد اطلاقه بسنتين، ووقتها كان لسه تقريبا فاضي من أي محتوى. كان موضوعه إضافة الأصدقاء، وإنشاء صفحات وجروبات. فاكر إني دخلت جروب عمله صديق ليا، وكان كله ضحك وهزار، وكل الناس اللي فيه كانوا بيتفاعلوا في التعليقات، كل واحد بيشارك رأيه أو نكتة، أو حتى بيتخانقوا، وده غير محاولات التعارف بين الشباب والبنات.
اللي خلاني أحب الجو ده هو إني كنت منطوي في الوقت ده، ففرحت بفكرة إن أشارك أفكاري وألاقي ناس بتتفاعل معايا. الفكرة دي خلتني أحس إني متشاف على السوشيال ميديا، وحبيت المنصات أكتر عشان بقيت أقدر أعمل اللي مكنتش بعرف أعمله في الواقع – ألاقي ناس مهتمة بالحاجات اللي بشاركها.
الفيسبوك كان اداة جديدة وغريبه وبدون ما اخد بالى استخدمتها عشان اعبر عن نفسي بدون ما اواجه الخوف من الرفض والسخريه اللى كانوا منتشرين فى حياتى الاجتماعيه وقتها. كل مره كان حد بيعمل اعجاب او يتفاعل بتعليق على حاجه نشرتها كنت بتشجع اشارك اكتر واعبر اكتر، ده كان الدافع اللى شجعنى اطور شخصيتى الانطوائية لشخصية اجتماعيه مع الوقت.
الدراسات النفسية زي اللي عملها الدكتور أندرو برزيبيلسكي بتقول إن التفاعل على الإنترنت بيساعد الناس المنطويين يعبروا عن نفسهم أكتر، وده بيقوي تقديرهم لذاتهم ويخليهم يحسوا بالقبول.
تطور السوشيال ميديا من التواصل للاستهلاك
سنة ٢٠١٢ بيظهر انستجرام، و ٢٠١٧ بيظهر تك توك ويعمل ثورة فى مقاطع الفيديوهات القصيرة، يقوم انستجرام يعمل زى تك توك ويعلن عن الريلز فى ٢٠٢٠ ودلوقتى احنا فى ٢٠٢٤ كل منصات التواصل الاجتماعى اصبح فيها مقاطع الفيديوهات القصيرة باعتبارها افضل وسائل التواصل انتشاراً واكثرها استهلاكا وهى فعلا وسيلة قوية جدا تشوف بيها العالم من حواليك صوت وصورة وتعرف الاخبار وتضحك وتعرف معلومة وغيره من صور واشكال المحتوى اللى ممكن يخلى اى شخص يقعد بالساعات يقلب فيه ويتفرج عليه بدون ملل لحد فى ينام من التعب.
من التواصل الى الإستهلاك: التحول الهائل فى آلية عمل منصات التواصل الاجتماعى من بداية ظهور الفيسبوك فى ٢٠٠٧ الى ٢٠٢٤ حصل معاه كمان تحول هائل فى سلوك المستخدمين وخلانا نتعود إننا بدل ما نتواصل من خلال السوشيال ميديا بقى هدفنا الرئيسي هو استهلاك المحتوى. وطبعاً هنا بدأت المشاكل اللي كلنا بنواجهها: بقى عندنا عادة إننا نفضل نتفرج بدل ما نشارك، ومع الوقت ده بيخلي الشخص يحس إنه متفرج بس والسلوك ده بكل تأكيد بيكون له تداعيات سلبية كبيره على الصحة النفسيه والعقلية!
عالمة النفس شيري توركل بتتكلم في كتابها "Alone Together" إن استهلاك المحتوى بدون مشاركة حقيقية بيسبب عزلة، لأنه بيخلينا مش مرتبطين بشكل حقيقي مع الناس حتى لو بنشوفهم كل يوم على الإنترنت.
الاستهلاك بدون مشاركة: مشكلة المستخدمين الأكبر
لو الواحد بيقضي وقته بيتفرج بس على الناس من بعيد من غير ما يشارك، هيبقى في الآخر مجرد متفرج مالوش دور حقيقي، الكلام ده بينطبق على واقع حياتنا زى ما بينطبق على السوشيال ميديا.
الشخص اللي بيفضل يتفرج بيوصل لمرحلة إنه يشك في قدراته ويقارن نفسه بالناس اللي بيتكلموا، ودايماً شايفهم أحسن منه. مثلاً: تخيل إنك كل يوم بتخرج مع ناس، وكل واحد فيهم بيتكلم ويشارك حاجة، لكن لما يجيلك الدور تقول "أنا هنا بس بتفرج." ولما تكرر ده كل يوم، في الآخر هتحس إنك مجرد شخص ساكت، محدش يعرف عنك حاجة، وأنت نفسك شايف انك ممل وتجربتك الشخصية ملهاش اى قيمة.
"تكلموا تُعرفوا؛ فإن المرء مخبوء تحت لسانه" - الإمام على بن ابى طالب
يمكن لانى استخدمت منصات التواصل فى بدايه ظهورها وبستخدمها دلوقتى قادر اشوف الفرق فى انماط الاستخدام، وعشان متفهمنيش غلط، انا بستهلك محتوى وبتفرج على مقاطع مضحكه وبشاركها مع اهلى واصدقائى وبشوف ناس بتحكى معلومات مفيده وبعرف الاخبار وبتفاعل مع بعض القضايا لكن بعمل ده لما بفتح تطبيقات التواصل عشان اشارك معلومه، او ارد على رساله او تعليق على حاجه نشرتها، انا مش ضد استهلاك المحتوى لشخص بيقدم محتوى، انا ضد استهلاك المحتوى لشخص بيفتح تطبيقات التواصل ويفضل عليها بالساعات كل يوم عشان يتفرج بس بدون ما يقدم حاجه.
عندك محتوى خاص بيك:
التعبير عن النفس غير مقتصر على صناع المحتوى
مش شرط تبقى صانع محتوى محترف عشان تشارك أفكارك. كل واحد عنده حاجة يقولها أو خبرة يقدر يشاركها مع الآخرين.
السوشيال ميديا بتسمحلك توصل لعدد ضخم من الناس، وده لوحده فرصة لازم نستغلها للتعبير عن النفس وتبادل التجارب.
لما الواحد يشارك خبراته على السوشيال ميديا، ده بيساعده يكون علاقات جديدة، ويفتح فرص كتير ممكن تفرق معاه سواء على مستوى الشغل أو حتى على مستوى الدعم المعنوي.
الباحثة برينيه براون في دراساتها عن الشجاعة بتقول إن التعبير عن النفس بيساعدنا نعيش حياة أصيلة وحقيقية أكتر ونقدر نتواصل مع اللي حوالينا بثقة.
كل انسان عنده محتوى، عنده افكار، معرفه، خبره، وجهات نظر وفلسفه فى الحياة. كلنا عندنا الرغبه الفطريه فى التواصل مع الغير والتعبير عن الذات وبناء علاقات اجتماعيه والانتماء لمجموعه او اكتر من الاشخاص اللى بيشاركونا نفس الاهتمامات.
تقديم المحتوى غير مقتصرعلى السوشيال ميديا
لو احنا اشخاص اجتماعين فى حياتنا الواقعيه ده معناه اننا بنقدم محتوى للناس اللى بيظهروا فى حياتنا الشخصية بالكلام والتعبير عن شخصياتنا وخبراتنا واظهار مهارتنا وغيره من صور واشكال التعبير عن الذات، والعكس صحيح. يعنى لو احنا مش بنقدم محتوى فى حياتنا الواقعيه ده معناه اننا انطوائيين وعلاقاتنا محدوده وقدرتنا على التعبير عن انفسنا محدودة وبنقضي اغلب وقتنا فى الخفاء بنتفرج على الناس حوالينا ونحللهم ونقارن نفسنا بيهم لحد ما نملى انفسنا بالشك فى قدراتنا على التعبير زيهم.
اللى بيحصل فى الواقع بيحصل على منصات التواصل الاجتماعي لكن التأثير سواء كان ايجابى او سلبي بيكون ١٠٠٠٪. لانه مافيش حدود لعدد الناس اللى ممكن تشوفك وتسمعك وكمان مافيش حدود لعدد الناس اللى ممكن تشوفهم وتسمعهم.
السؤال هنا انت عايز تبقى على اى جانب اكتر من التانى،عايز تتكلم وتسمع ولا تسمع بس وانت ساكت؟
القرار اللي ساعدني أتحول من مُستخدَم الى مُستخدِم
القرار اللي ساعدنى أستخدم السوشيال ميديا بشكل فعال بدون ما اضيع وقت كتير على استهلاك المحتوى هو إني قررت أركز على عرض شغلي وتجربتي ومشاركة افكارى بدل الاستهلاك بس. أيوه، أنا ممكن أستهلك محتوى زي الفيديوهات التعليمية و المضحكة والأخبار، بس الأولوية بالنسبة لي هي إني أشارك أو أتعلم قبل ما أتفرج.
عندما يصبح حقك فى استهلاك المحتوى مرهون بقدرتك على تقديم محتوى سيتحول استخدامك لمنصات التواصل الاجتماعي من الإستهلاك الى الانتاج ~ محمد شبكة
السوشيال ميديا أداة قوية، والمهم إننا نعرف نستخدمها صح عشان تحقق لنا أهدافنا بدل ما تخلينا مجرد متفرجين طول الوقت. رسالتى ليك هى انك تعزز قيمة تجربتك الشخصية فى نظرك، وتتوقف فورا عن مقارنة نفسك بالآخرين حتى لو تطلب الامر انك تقفل السوشيال ميديا لمدة اسبوع او شهر عشان تقدر تركز شويه على نفسك وتسمع لصوتك الداخلى واستخدام كل الادوات المتاحة للبدء فى التعبير عن ذاتك وتدريجيا ثقتك فى التعبير عن افكارك ومشاعرك هتزيد وهيكون ليها تأثير إيجابى على كل جوانب حياتك ومختلف تعاملاتك مع الناس وبالأخص مع نفسك.
المقال رائع جدااا ... كنت أعرف أنه بي مشكل لكن لم أعرف كيف أفسره لكن فسرته بطريقة جميلة وأعطيت حلولا عملية ... بانتظار المزيد من المقالات