فكّر في الموقف ده:
يومك مش ماشي كويس، مزاجك سيئ، جسمك كسلان، ومخك بيقولك "كفاية بقى، مش النهارده".
بس عندك حاجة المفروض تعملها… قرار كان مفروض تاخده… خطوة كنت ناوي تبدأ بيها.
الموقف ده بيحصل معانا كل يوم. ودي اللحظة اللي بتفرق فيها الناس اللي بتنتظر تحسن الحال لبدء التنفيذ، والناس اللي بتلجأ للتنفيذ لتحسين الحال. ناس كتير بتسمي النوع التاني انضباط بس أنا بشوفه “حب عملي”
بالنسبة لمعظم الناس، فكرة "الانضباط" بتيجي في دماغهم مرتبطة بالقسوة والصرامة وكبت الرغبات. بيشوفوه على إنه إجبار للنفس على تنفيذ ما يجب، بغض النظر عن المشاعر أو الحالة النفسية. ده بيخلينا نشوف ان الإنضباط شئ صعب جدا وكتير مننا بيفشل يكون منضبط في حياته رغم كل المحاولات. لكن لو دقّقنا شوية، هنلاقي إن الصعوبة مش في الانضباط نفسه، إنما في مفهومنا عن الانضباط.
لو بصينا للانضباط من زاوية مختلفه، هنكتشف إنه مش صراع مع النفس، بالعكس هو تعبير عن حب حقيقي ليها. لما تكون مكسل، مجهد، أو حتى مزاجك سئ، الانضباط مش بيطلب منك تتجاهل كل دا وتقوم تنفذ اللي وراك، انما بيطلب منك تتعاطف مع نفسك وتحاول تساعدها بفعل نابع من حبك ليها مش من قسوتك عليها!
سر الانضباط في حبك لنفسك وقت الضعف
تخيل كده معايا: راجع من شغل، اليوم كان صعب، دماغك تقيلة، ومزاجك متعكر عشان حصل موقف ما استفزك. وكان المفروض تروح الجيم أو تذاكر أو تكمل شغل على مشروعك.
في اللحظة دي، جسمك بيقولك "سيبك، مش قادر"، ومخك بيحاول يلاقي أي حجة تأجّل بيها.
بس بدل ما تحاول تتجاهل مشاعرك وتجبر نفسك علي التنفيذ بالعافيه، هتتعاطف مع نفسك وتقول:
"أنا تعبان فعلاً ويومي كان صعب، بس أنا كمان مش عايز أسيب نفسي في الحالة دي. أنا عارف إن لو روحت الجيم، أو عملت أي خطوة بسيطة هستريح و مزاجي هيتحسن" وتقوم فعلاً تنفذ.
اللحظة دي بالذات… لحظة الانضباط الحقيقي. مش لأنك نفذت رغم حالتك لكن لأنك نفذت بسببها.
التنفيذ هنا نابع من حبك لنفسك وحرصك علي مساعدتها وتحسين حالتها.
الأسبوع ده كنت مشغول جدا وطرأ علي حياتي بعض الظروف اللي اخدت من وقتي وتركيزي، ورغم اني مخطط اكتب مقال كالعاده، كنت قربت أاجله للأسبوع اللي جاي لان مافيش موضوع معين اكتب عنه والإسبوع ده قرب يخلص، وعندي الحرية اني أاجل المقال لكن ماعملتش كده.
طيب، ايه اللي حصل خلاني اقعد أكتب المقال دلوقتي؟
اللي حصل هو اني فكرت في نفسي. ازاي هتفضل شايله هم المقال اللي جاي، وازاي هكون بحرمها من فرصة التعبير عن الأفكار ومشاركة الخبرة، وبحرمها من الشعور بالفخر والاحساس بالقيمة اللي بيجوا بمجرد الإنتهاء من كتابة مقال والضغط علي زر النشر.
حبي لنفسي وحرصي علي إسعادها هو اللي دفعني اكتب المقال قبل الإسبوع ما يخلص. ده بالنسبه لي إنضباط.
الانضباط هو الصورة العملية اللي بيعبر بيها الإنسان عن مدي حبه لنفسه وحرصه علي مساعدتها.
كان ممكن أريح نفسي الإسبوع ده، لكن القرار ده مش هيكون في مصلحتها، عشان كده قررت اقدم لها خدمة. الانضباط خدمة بتقدمها لنفسك …
في لحظات الضعف عشان تقويها
في لحظات الإحباط عشان تشجعها
في لحظات اليأس عشان تديها أمل
في لحظات الخوف عشان تطمنها
في لحظات الوحده عشان تونسها
اللي بيحب نفسه بجد، مش بيدلعها ويقول لها "خلاص انتي ومزاجك"، ولا بيشد عليها ويقولها "قومي بالعافية". اللي بيحب نفسه، بيسمعها بيتعاطف معاها… بس كمان بينفذ اللي يساعدها. اللي بيحب نفسه بيشعر تجاهها بالمسؤولية.
زي الأم اللي بتحب أطفالها، بترعاهم في كل الظروف وهي مريضة، وهي مضغوطه وهي متوترة وقلقانه، وهي شايله هم بكره. هل ممكن تشوف تصرف الأم تجاه اولادها فيه قسوة علي النفس؟ اكيد لأ. لان انا وانت متأكدين انه تصرف نابع من حب ولولا وجود الحب كان من المستحيل يستمر العطاء.
لو عايز تفهم معني الإنضباط وتتأكد انه عبارة عن حب في صيغة أفعال، إسأل اي ام “انتي ليه بتعملي كل ده لأولادك؟” هتقولك عشان بحبهم ونفسي أشوفهم مبسوطين وفي أحسن مكان.
الأم بتضحي عشان اولادها لأنها بتحبهم.
وإنت لو بتحب نفسك بجد، هتضحي عشانها.
كل ما زاد حبك لنفسك وحرصك علي مساعدتها، كل ما زاد جواك الدافع اللي يخليك تعمل اللي في مصلحتها حتي لو مكسل او مزاجك مش متظبط، لأن الحب اقوي بكتير وبيدوم اطول.
الحياة أصعب بدون الانضباط
فاكر لما أجلت حاجة كنت ناوي تعملها علشان "مش في المود"؟
فاكر الإحساس اللي جالك بعدين لما كل حاجة اجلتها اتراكمت عليك؟ حسيت بضغط؟ توتر؟
الموضوع بيتكرر كل يوم… لحد ما تتعب بجد. قلة الإنضباط هنا يعتبر ظلم للنفس، لأنه صعب عليها الحياة.
الانضباط مش ضد الراحة، ده اللي بيوصلّك ليها من غير ما تضغط نفسك آخر لحظة.
هو زي صديق عاقل بيمسك إيدك وسط زحمة الأفكار والمهام المؤجلة، ويقولك: "يلا ننجزها سوا، عشان ترتاح بعدها بجد، مش ترتاح نص ساعة وتندم يوم كامل."
الانضباط مش زي ما ناس كتير فاكره. إنك تمشي على نظام وخلاص، أو إنك تبقى روبوت بينفذ أوامر.
الانضباط الحقيقي هو إنك تكون شخص بيحب نفسه كفاية، إنه يشتغل الساعة اللي بتريحها يوم، مش انه يتعبها يوم كامل بسبب تأجيله لشغل ساعة.
يعني لما بتكون منضبط في تمرين، أو مذاكرة، أو نوم بدري، أو أي عادة مفيدة… وانت مش في المود، انت كده بتقول لنفسك: "أنا بحبك و مهتم بيكي، ومش هسيبك تتأذي بسببي حتى لو الظروف مش سهلة".
العلاقة دي مش بس بتبني الإنضباط، لكن كمان بتكسبك ثقة في النفس وبترفع تقديرك لذاتك. ومن الصعب تقابل شخص منضبط معندوش ثقة في نفسه او تقديره لذاته منخفض.
الانضباط علاقة بين الحاضر والمستقبل
لو تأملت شوية في تجربتك الشخصية هتتكتشف ان الحاجات اللي بتسهل عليك الحياة دلوقتي هي الحاجات اللي انت تعبت عليها في الماضي. المهارات اللي جربت وغلط كتير عشان تكتسبها، الكتب والمعلومات اللي سهرت ليالي وانت بتحاول تفهمها، القرارات اللي اخدتها رغم خوفك من رأي الناس وساعدتك تعيش في مكان او تشتغل في مجال بتحبه.
كل الأفعال دي وغيرها كانت صعبه وقتها، لكنك نفذتها عشان كنت بتحاول تساعد نفسك الحالية اللي هي وقتها كانت بالنسبة لك مستقبلية، لو تأملت العلاقة دي هتشعر بفخر وامتنان لمجهود نفسك في الماضي للي انت عايشه دلوقتي في الحاضر بسببها وهتشكرها علي شجاعتها وتحملها للمسؤولية.
دلوقتي نفسك المستقبلية محتاجه تلاقي منك الحب والإهتمام في أفعالك في الحاضر. هو ده المنظور الي بيدفعك تعمل الصعب انهاردة لأنك مجرب وعارف انه هيخلي حياتك بكرة أسهل وأمتع.
الخلاصة
الانضباط مش اختبار للقوة والسيطرة علي النفس، إنما تدريب على الرحمة والتعاطف معها والتعبير عن حبك ليها بالأفعال. ولما تتعامل مع نفسك بلطف وقت الضعف، وتنفذ خطوة صغيرة نابعة من حبك ليها، انت مش بس بتتعلم الإنضباط، انت بتبني علاقة جديدة مع نفسك.
ده كل اللي حبيت اشاركه معك لحد ما نلتقي في مقال جديد الإسبوع القادم ان شاء الله. سجل اشتراكك عشان يوصلك بمجرد نشره :)
لحجز جلسة كوتشنج اضغط هنا
قناتي علي يوتيوب اضغط هنا
أجمل ما كُتب في الانضباط .. مقال رائع كنت في أمس الحاجة ليه
الله يرضى عنك وينفع بيك
يا اخي اقل ما اقول على فيديواتك و بوستاتك فن لله يوفقك و مزيد من نجاح