لو حسيت إن الأفكار السلبية مسيطرة عليك، فأنت مش لوحدك. الإحصائيات بتقول إن 70% من أفكارنا اليومية سلبية، وده رقم مرعب لو فكرت فيه. كتير مننا مش بس بيعاني من التفكير السلبي، لكن بيحاول يتخلص منه بكل الطرق ومش بيلاقي نتيجة، بالعكس، كل ما بنحاول نتخلص من الأفكار السلبية، كل ما ترجع أقوى من الأول.
على مدار الحياة، واحد من كل خمسة أشخاص بيفكر في الانتحار، وواحد من كل ستة بيعاني من حديث النفس السلبي اللي بيكون سبب اساسي فى زيادة القلق والتفكير السلبي المفرط. من خلال شغلي في مجال التدريب والكوتشنج، لاحظت إن ناس كتير نفسهم يبطلوا او حتى يقللوا من الأفكار السلبية المزعجة، بس هو ده أصلا ممكن؟
الأفكار السلبية مش مجرد أفكار، هي انعكاس لمدى تعلقنا بأشياء خايفين نخسرها.
لما نتعلق بحاجة، بنحط لها قيمة كبيرة، ولما نحس إننا ممكن نفقدها، بيبدأ العقل يدخل في حالة طوارئ ويحاول يحميك عن طريق تصدير سيناريوهات سلبية.
مثلًا، لو انت متعلق برأي الناس، أي تصرف منك هيكون مصحوب بخوف من الرفض، وعقلك هيبدأ يضخم كل احتمال سلبي ممكن يحصل. لو قدمت محتوى جديد، بدل ما تفكر في قيمة اللي بتقدمه، هتلاقي نفسك قلقان من النقد، ولو حد انتقدك فعلًا، ممكن تفضل الأيام تفكر في كلامه وتحلل كل كلمة.
لو إنت متعلق بفكرة إن الناس لازم تتصرف أو تفكر بطريقة معينة، فأنت عمليًا بتسلمهم ريموت التحكم في مشاعرك. لو حد خالف توقعاتك، هتحس بالغضب أو الإحباط. نفس الفكرة مع الحاجات المادية، لو المجّ المفضل عندك اتكسر أو عربيتك اتخدشت، هتلاقي نفسك متضايق وكأنك فقدت جزء من سعادتك.
تحرر من التعلق تتحرر من الأفكار السلبية
سمعت قبل كده عن "أزمة الهوية" ؟
دي أزمة بيمر بيها الشخص اللي عنده تعلق شديد بهوية معينه لكنه فقدها. ازمة الهوية بتظهر لما الشخص يكون عاش سنين طويلة من عمرة مثلا بيشتغل في وظيفة معينه وتعلق بدورة في الوظيفة لدرجة انها التحمت بهويته الشخصية زي انه اصبح شايف نفسه وبيعرفها بلقب الوظيفة، يعني المهندس او الطبيب. ارتباط وتعلق الشخص بالوظيفة للدرجة دي بيعرضه لألم كبير في المستقبل لو حصل سبب ما اضطره للخروج من عباءة المسمي الوظيفي. زي لاعب الكرة لما بيعتزل لعب الكرة، اذا كان متعلق جدا بكونه لاعب كرة ده معناه انه هيواجه ازمة هوية بمجرد ما يعتزل لعب الكرة، لان قيمته كإنسان مرتبطه بقيمته كلاعب كرة.
التعلق بيضخم قيمة الأشياء وحجم الآلم الناتج من فقدانها.
عدم التعلق يعني وجود مساحة لتقبل بقاء او عدم بقاء الأشياء.
عدم التعلق مش معناه عدم الاهتمام، لكنه معناه إن سعادتك وقيمتك وأمانك النفسي مش متوقفين على أي شيء خارجي. لما تفهم إن الأفكار السلبية جزء طبيعي من عمل العقل لحمايتك من فقدان شئ انت متعلق جدا بيه، وتبدأ تتقبل بقاء او عدم بقاء هذا الشئ، ساعتها بس هتقدر تفكر بحرية من غير قلق مستمر.
ممكن تشوف ان ده كلام غير منطقي لان فيه ناس انت مقتنع تماما انهم وحشين وبعض الاشخاص متأكد انهم اكبر نعمة في حياتك. لكن تقدر تنكر ان ظنك في بعض الاشخاص كان في غير محله؟
كام مرة استريحت لشخص وتعلقت به لكن الظروف والمواقف اظهرت العكس. وكام شخص كونت عنه انطباع سلبي وبعدين اكتشفت انه انسان طيب وجدع. في الحالات دي كل ما كان التعلق قوي كلما بذل العقل مجهود اكبر في الاستعداد لمجابهة السيناريوهات المحتملة اللي ممكن تفقد فيها الاشياء اللي انت متعلق بيها.
استعداد العقل لمجابهة اسوأ السيناريوهات يعني المزيد من التفكير السلبي المتمركز حول احتمالية فقدان الشئ اللي انت متعلق بيه بعض النظر عن طبيعته، يعني ممكن يكون التعلق بوظيفة، بفكرة، معتقد، هوية شخصية، ممتلكات مادية، قبول فئة معينه من الأشخاص، الانتماء لمجتمع او ثقافة، مسمي وظيفي، الخ.
التعلق بيزود الخوف، والخوف بيخلي عقلك يفكر في اسوأ السيناريوهات.
دور التعلق في تعزيز التفكير السلبي بيظهر بوضوح في العلاقات اللي بيكون فيها تعلق شديد وكتير من الاحيان بيكون هو السبب الرئيسي في فساد العلاقه وعدم استمرارها.
لما تقدر تحب نفسك في كل الظروف، ده معناه إن حبك لذاتك اصبح غير متعلق بحب شخص معين ليك. ساعتها، هتلاقي نفسك متحرر من الخوف اللي بييجي من فكرة إن العلاقة ممكن متكملش، وكمان هتدي للطرف التاني مساحة يتصرف بطبيعته بدل ما تحاول تسيطر على كل تفصيلة علشان تضمن استمرار العلاقة.
العلاقة اللي مافيهاش تعلق مرضي بتكون صحية أكتر، لأن مفيش طرف بيستغل التاني أو بيحاول يفرض سيطرته خوفًا من الفقدان. كل طرف بيكون مقدّر التاني فعلًا، مش بس متمسك بيه بسبب الاحتياج. العلاقة كده بتبقى فيها تفاهم واحترام أكتر، وبتكون إيجابية لأن مفيش حد عايش في حالة رعب من فكرة إن كل حاجة قد تنهار في أي لحظة.
٣ خطوات للتحرر من التعلق
التعلق زي ما وضحت يعتبر مصدر كبير للقلق والتوتر وبالتالي التفكير السلبي، لأنه بيربط سعادتنا وأمانا النفسي بحاجات خارج سيطرتنا. علماء النفس السلوكي بيأكدوا إن التعلق المفرط بالأشياء أو الأشخاص ممكن يكون سبب في التفكير القهري والاضطرابات العاطفية، لأنه بيخلينا دايمًا في حالة خوف من الفقدان.
علشان تتحرر من التعلق، اتبع الخطوات دي:
1. حدد مصدر التعلق
كل فكرة سلبية بتدور في بالك، وراها خوف من فقدان حاجة معينة—وظيفة، علاقة، مكانة اجتماعية، أو حتى صورة معينة عن نفسك. اسأل نفسك:
إيه الحاجة اللي لو فقدتها، هتحس بالخوف أو الألم؟
هل فعلًا الحاجة دي ضرورية لسعادتي، ولا مجرد وهم زرعته جوايا؟
مثال: لو أنت متعلق بوظيفتك جدًا، ممكن يكون السبب إنك بتربط نجاحك أو احترام الناس ليك بالوظيفة دي، مش بقيمتك الحقيقية كشخص قادر يتطور ويحقق إنجازات في أي مكان. في دراسة عن "التعلق الوظيفي" اتنشرت في Journal of Applied Psychology، الباحثين لقوا إن الأشخاص اللي بيربطوا هويتهم بالكامل بوظيفتهم بيعانوا من قلق وتوتر أكبر لما يواجهوا أي تحديات مهنية.
2. افصل قيمتك عن التعلق
قيمتك كإنسان غير مشروطة. لا وظيفة ولا شخص ولا رأي الناس هما اللي بيحددوا قيمتك الحقيقية. المشكلة إن التعلق بيخلينا ندي أهمية مبالغ فيها لحاجات خارجية وننسى إننا نقدر نعيش من غيرها.
جرب تعمل إعادة تأطير للأفكار دي:
بدل ما تقول: أنا مش هنجح من غير الشغل ده، قول: أنا عندي مهارات وقدرات تخليني أنجح في أي مكان.
بدل ما تفكر: لو الشخص ده سابني، حياتي هتنهار، قول: أنا شخص مكتمل بنفسي، والعلاقات جزء من حياتي مش سبب وجودي.
الأشخاص اللي بيشتغلوا على "التقبل الذاتي غير المشروط" بيكونوا أقل عرضة للقلق والاكتئاب، لأنهم بيعرفوا يفصلوا بين هويتهم الذاتية وبين العوامل الخارجية.
3. تعلق بشيء يستحق التعلق به
التحرر من التعلق مش معناه إنك تبقى بارد أو غير مهتم، لكنه معناه إنك تتعلق بحاجات تستحق فعلاً وفي نطاق سيطرتك عليها—زي قيمك، مبادئك، ونموك الشخصي. الحاجات دي مش بتتغير بسهولة، وبتفضل معاك مهما حصل ودايما تقدر تغيرها زي ما انت عايز.
مثال: لو شغلك أو علاقتك العاطفية انتهت، لكن انت عندك عقلية التعلم والتطور، عمرك ما هتحس بالضياع، لأنك مش متعلق بالنتائج، انما متعلق بنموك المستمر وممكن جدا تشوف ان المواقف الصعبة بتساعدك تتعلم وتطور اسرع بكتير.
الامبراطور والفيلسوف الروماني ماركوس أوريليوس قال حكمة عظيمة في الموضوع ده : "افعل ما يجب عليك فعله، والباقي دعه للطبيعة." لما تتبنى الفكرة دي، هتحس براحة نفسية، لأنك عارف إنك بتعمل اللي عليك، والباقي مش تحت سيطرتك فتبطل تشغل نفسك بالتفكير فيه.
الخلاصة
التفكير السلبي مش عدوك، لكنه مؤشر إنك متعلق بشيء معين. كل ما زاد التعلق، زاد الخوف، وزادت الأفكار السلبية. الحل مش إنك تحاول تطرد الأفكار، ولكن إنك تفهم مصدرها وتفصل قيمتك وحريتك عن مصدر التعلق. لما تبدأ تتحرر من التعلق، هتلاقي نفسك أكثر هدوءًا، أكثر قوة، وأكثر تحكمًا في حياتك.
انتظر مقال جديد أسبوعياً، سجل بريدك الإلكترونى عشان يوصلك بمجرد نشره.
لحجز جلسة كوتشنج اضغط هنا
قال ابن القيم "مَن تعلَّقَ بشيءٍ، عُذِّبَ به."
جزاك الله خيرا
القلق موضوع مهم شكراً عالمقال