عمرك فكرت إن كل الناس حواليك، حتى أقربهم ليك، بيخبوا حاجة؟
إن كل ابتسامة، وكل أسلوب في الكلام ممكن يكون مجرد صورة غير حقيقة؟
الحقيقة اللي محدش بيحب يعترف بيها هي إننا كلنا بنعاني في الحياة بشكل او بآخر، وكلنا بنحس بعدم الأمان، وكلنا بنداري عيوبنا زي ما بنداري جرح في جسمنا. الناس اللي حواليك مش بالبراءة اللي بتشوفها، ولا بالنجاح اللي بيتباهوا بيه، ولا حتى بالهدوء اللي بيصدّروه في المواقف الاجتماعية. علي الاقل هما مش كدة طول الوقت.
ورا كل وش بتتعامل معاه في شغلك أو في بيتك أو في الشارع، فيه قصة فيها خوف، فيه ضعف محدش شايفه، فيه جرح قديم، وفيه محاولة مستميتة لكسب القبول والحب بأي ثمن.
انت مش الوحيد اللي بيشعر بالخوف، أو اللي بيحس إنه مش كفاية، أو اللي بيتقمص شخصية مش شبهه عشان يمشي اموره. اللي بتشوفه في ظاهر سلوكيات الناس في الواقع او علي السوشيال ميديا مش هو الحقيقة. اللي هقولهولك هنا مش مجرد تحليل لسلوكيات الناس، دي قوانين هتفهم بيها السلوك البشري.
لو قدرت تتعلم تبص للسلوك البشري من منظور القوانين دي، هتلاقي حاجات كتير في علاقاتك الإجتماعية بتتغير للأفضل، وهتفهم الدوافع الخفيه لسلوكيات الناس حواليك بشكل أعمق، ومش هتستغرب تصرفاتهم زي زمان، وهتبدأ تختار ردود افعالك بوعي، وكمان تحمي نفسك من أذاهم.
القانون الأول: كل الناس بتعاني وبتحس بعدم الأمان
ممكن الكلام ده يبان سوداوي شوية، بس الحقيقة انه من أكتر الحاجات اللي لو فهمتها هتريحك جدًا. كل الناس، أنا وإنت وكل اللي حوالينا، بنعاني من جوا وبنحس بعدم الأمان، حتى لو ظاهر علينا الثقة والنجاح والاستقرار.
“الناس قلوب مكسورة تمشي على الأرض، فرفقًا بهم.” - جلال الدين الرومي
الناس ساعات بتصدق الصورة اللي بيشوفوها على السوشيال ميديا، ويتهيأ لهم إن في ناس عايشه مرتاحة طول الوقت ومافيش عندها مشاكل، وبتحقق كل حاجة بسهولة، وده وهم كبير. السوشيال ميديا مليانة صور مُفلترة ومختارة بعناية، تخليك تحس إنك أقل من غيرك او فايتك حاجات كتير أو إنك الوحيد اللي بيعاني وحياته اصعب من الكل، لكن في الحقيقة الكل موجوع من جواه، الكل عنده مخاوف، والكل بيحاول يخبّي ضعفه.
لو رجعنا بالتاريخ شوية، هنلاقي إن دماغنا لسه شغالة بأنظمة بدائية من آلاف السنين. زمان الإنسان كان عايش في قبيلة صغيرة حوالي 70 لـ 150 فرد، وكان لازم يثبت إنه مستقر وقوي ومتعاون، لإن لو بان عليه ضعف أو تصرفاته بقت غريبة عن المحيطين، كان ممكن القبيلة تنبذه، وساعتها يضيع لوحده في الغابة او الصحرا، لا يلاقي أكل، ولا حماية، ولا حتى حد يتجوز ويخلّف منه، وبالتالي جيناته تختفي.
والحقيقة إن دماغك لحد النهارده شغالة بنفس البرامج دي، بتخاف جدًا لو حست إن الناس ممكن ترفضك أو تنتقدك، حتى لو المجتمع حوالينا بقى أكبر بكتير ومفيش نفس خطورة الطرد او العقوبات المميته اللي كانت موجودة زمان في النظام القبلي. لكن للأسف مش عندنا زرار نطفي بيه البرامج دي، لأنها جزء مننا.
يعني لما تحس إنك “بتمثل” أو خايف الناس تعرف عيوبك، افتكر إن ده طبيعي جدًا، وإن كل الناس حواليك شغالة بنفس المخاوف. محدش عنده القدرة انه يتجاوز البرمجة دي، إحنا كلنا لسه بنشتغل بنفس العقل اللي ورثناه من أجدادنا اللي كانوا بيحاربوا عشان يفضلوا جزء من القبيلة ويحافظوا علي حياتهم وحياة اسرهم.
فلو جيت تقول لنفسك: “أنا بخبي عيوبي او ضعفي، او بظهر بس الحلو اللي فيها”
تأكد انك مش لوحدك، كلنا مليانين عيوب وجوه كل واحد فينا ضعف بطريقة ما، وكلنا كمان حاسين بعدم الأمان في بعض جوانب حياتنا. ده مش عيب، ده بيديك تعاطف أكتر مع نفسك ومع الناس، لإنك هتفهم إن كل اللي قدامك مهما ظهر قوي، هو في الحقيقة بيحارب في صمت مع نفس مخاوفك تقريبًا بأشكال وظروف مختلفة. كل مافي الموضوع انه مش من مصلحته يظهر ضعفه او مخاوفه للناس.
القانون التاني: كل الناس لابسه قناع
كلمة قناع هنا مقصود بيها إن الإنسان طول الوقت بيقدم صورة معينة للناس، الصورة دي مش دايمًا الحقيقة الكاملة عنه، لكنها نسخة “مفلترة” من نفسه، بيختار يظهر بيها عشان يحقق القبول الاجتماعي ويحمي نفسه. وده مش عيب على فكرة، ده شيء طبيعي جدًا فينا كلنا كبشر.
“الحياة مسرح، وكل إنسان ممثل يؤدي دوره.” - إرفن جوفمان
القناع هو الـ “شخصية” اللي بنحطها قدام الناس، عشان نبان مقبولين. كلنا بنعمل كده، لإن دماغنا مبرمجة تدور على القبول الاجتماعي، وإلا هنحس إننا لوحدنا. كل واحد بيحاول يظهر بشكله الأحسن، أو الأذكى، أو الأقوى، أو حتى الأطيب. المشكلة إننا ساعات بنصدق القناع ده ونتصور إنه هو الحقيقة، مع إنه مجرد واجهة.
علم النفس بيسمي القناع ده self-presentation أو impression management، والموضوع ده اتدرس في علم الاجتماع كمان من زمان، خصوصًا مع عالم اسمه إرفن جوفمان (Erving Goffman)، اللي كتب كتاب مهم اسمه The Presentation of Self in Everyday Life اللي شبّه فيه الحياة بمسرح كبير، وكلنا ممثلين عليه، بنلبس شخصياتنا زي ما بنلبس لبسنا، ونغيّرها حسب الجمهور والموقف. يعني ممكن تلبس قناع الجدع وسط صحابك، وتلبس قناع الموظف المجتهد في الشغل، وقناع المحترم اللطيف مع واحدة عجباك... وهكذا.
فضلاً عن ان بناء شخصية اجتماعية منمقة (قناع مناسب) بيساعدنا ننجو في مختلف الظروف الاجتماعية وبيحمينا من الوقوع في مشاكل احنا في غني عنها، لإن الإنسان كائن اجتماعي، ولو فقد القبول وسط مجموعته هيبقى في خطر (زمان كان الخطر ده فعلاً يعني الموت زي ان يتم طرده من القبيلة او عقابة بشكل قاسي) دلوقتي الخطر ممكن يكون في الرفض، خسارة مصدر الدخل الوحيد او حتي في منع بعض المنافع اللي بيحصل عليها من علاقاته الشخصية. فدماغنا مبرمجة تحط “قناع” مقبول، يساعدنا نخبي اللي ممكن يخلينا مرفوضين.
اللي بيحصل مع الناس في جلسات الكوتشينج أو العلاج النفسي له تفسير علمي قوي جدًا. الإنسان بطبعه بيحاول يلبس قناع طول الوقت زي ما شرحت، عشان يكسب القبول ويتجنب الرفض أو الهجوم. إنما لما بيلاقي بيئة آمنة زي شخص داعم مهمتة الوحيده يساعده زي الكوتش أو المعالج النفسي — دماغة بتبطل تطلق إشارات التهديد (threat signals)، وده بيخلي جاهزه العصبي يدخل في حالة استرخاء شوية، فيقل الخوف ويسيبه يتحرك ناحية الوعي الذاتي وهنا بيكون عنده فرصة ذهبية لفهم نفسه بدون حواجز مصطنعة.
القناع تقيل علي صاحبه وتقله بيزيد كل ما كان بعيد عن حقيقة صاحبه، ولبسه طول الوقت بيستنزف طاقة رهيبة. العلاقات الآمنة بمختلف اشكالها بتدي للناس فرصة يسقطوا كل الاقنعة حتي لو بشكل مؤقت، ويستكشفوا نفسهم بصدق، ومن هنا بيبدأ التغيير الحقيقي.
القانون الثالث: كل الناس بتدّعي إنها مش لابسه قناع
الموضوع غريب شوية لو فكرنا فيه، إحنا عارفين إن كلنا بنلبس وبنبدل الأقنعة، بس بنمثل على بعض طول الوقت إننا بنتصرف علي طبيعتنا! ليه؟ لإن لو قلنا لبعض بصراحة “آه، ده قناع”، الحوار هيبقى محرج جدًا، وهيولد إحساس بالخزي أو حتى غضب عند ناس كتير.
يعني تخيل إنك قاعد مع حد بيحاول يبان قوي، وجيت تقوله: “أنت ليه لابس قناع القوة والسيطرة ده مع اني عارف انك مش كده؟” اكيد هيحس إنك جرحت كرامته.
الناس مش بتحب تتواجه بإن تصرفاتهم متصنعة أو مزيفة، لإن القناع جزء أساسي من الصورة اللي بنقدّمها عن نفسنا، وصعب نقبل حد يكشفه بسهولة. بعدين الفكرة إن القناع أصلاً معمول عشان يبان طبيعي جدًا، يبان شبه وشنا الحقيقي، لدرجة محدش يلاحظ الفرق. لو بقى واضح إنه قناع، هيبقى فقد هدفه الأساسي وهو حماية صورتنا قدام الناس. وده السبب اللي بيخلينا نتجنب نفتح سيرة القناع ده أصلاً. عشان كده الشخص اللي دايما بيقول وياكد للي حواليه انه بيتصرف بطبيعته وان اللي في قلبه على لسانه، ممكن يكون اكتر شخص متصنع لكنه مصدق في القناع اللي لابسه وبيمثل بيه علي الناس.
لو الناس بدأت تعترف إن عندها أقنعة، ساعات هتحس بالخجل، أو هيبقى عندها خوف إن الناس تشوف ضعفها، أو حتى الغضب اللي جواها لإن في لحظة هيحسوا إنهم انكشفوا وده في حد ذاته ضعف.
وعشان كده التعامل مع فكرة القناع محتاج حكمة. يعني لما تيجي تتكلم مع حد عن “ القناع ” اللي لابسه اللي هو الشخصية، لازم تحافظ على راحته وأمانه النفسي، وتطمنه إنه مش لوحده، وإن كل الناس بتصدر صوره مصطنعه علي الاقل بعض الوقت. لو عملت كده بذكاء، الشخص اللي قدامك ممكن يبدأ يرتاح ويكون علي طبيعته شوية بشوية، ويورّيك حتة صغيرة من حقيقته اللي كان خايف يظهرها عشان محدش يحكم عليه او يرفضه.
وده اللي بيخلي القانون ده مهم جدًا. إحنا مش بس لابسين أقنعة، إحنا كمان بنخبي عن نفسنا وعن الناس إننا لابسينها، عشان نقدر نكمّل تمثيل دورنا في الحياة بدون مشاكل.
القانون الرابع: كل الناس نتاج الطفولة، بحلوها ومرها
التصرفات اللي بنعملها وإحنا كبار غالبًا ليها جذور في تجاربنا وإحنا صغيرين. لو حد مثلًا بيحب يظهر إنه جامد ويزعق في الناس، جايز يكون كان طفل بيتضرب أو بيتعرض للتنمر والسخرية، فوعد نفسه إنه ميتهانش تاني أبدًا.
نفس الكلام ينطبق على الناس اللي تحب تتفلسف عليك وتقولك “لا خليني اقولك ايه الصح …” وتحس إنهم بيتفزلكوا أو بيثبتولك إنهم أذكى منك. ممكن يبقوا أطفال اتعرضوا لإهانات في المدرسة، أو أهاليهم قللوا منهم وخلوهم حاسين إنهم أغبياء. فتلاقيهم لما كبروا بيدافعوا عن نفسهم بأسلوب مزعج شوية، بيحاولوا يثبتوا إنهم مش أقل من حد.
حتى الناس اللي بتحب تتحكم في كل حاجة حواليهم، ساعات تكتشف إنهم كانوا أطفال مهمشين في بيتهم، محدش بيحسب حسابهم، فكبروا وإحساس السيطرة معاهم هو الطريقة الوحيدة اللي بيحسوا بيها إن ليهم قيمة او علي الاقل متشافين. ولو قابلت حد دايمًا بيجادل في كل كلمة تقولها، جايز ده كان طفل في بيت محدش بيسمعه، وكل حاجة يقولها كانوا يصححوها له أو يلغوها، فكبر وهو محتاج يثبت إنه ليه رأي، وإن صوته مسموع.
كل التصرفات اللي بتشوفها حوالك ليها أصل، ليها قصة في عقل الطفل اللي كل واحد فينا كان عليه زمان، والقصص دي ساعات بتكون مؤلمة جدًا، بس محدش حكاها. لو قدرت تبص على البشر كده، هتتعلم تعذرهم حتى لو معترض على تصرفاتهم، وهيفرق ده معاك في هدوء أعصابك وتقديرك ليهم. ولما بتشوف الناس بالطريقة دي، هتبدأ تشوف قد إيه هم مجروحين مش أشرار، وهيفرق جدًا في طريقة تعاملك معاهم.
الخلاصة
القوانين دي مش شوية معلومات نظرية تتحفظ وبس، دي طريقة جديدة تشوف بيها الناس، طريقه تخليك أكتر وعي، أكتر هدوء، وأكتر تعاطف. الناس هتفضل معقدة، وتصرفاتها ساعات هتبان غريبة ومستفزة، بس لما تحط النظارة دي وتبص بيها، هتشوف الصورة كاملة، هتبدأ تشوف الناس بشكل أوضح، وتشوف اللي ورا تصرفاتهم، مش بس اللي ظاهر منهم.
وده معناه إنك هتكون هادئ ومتماسك في ردود افعالك لما حد يتصرف معاك بشكل سئ او غير متوقع. يعني بدل ما تنفعل أو تتعصب أو تاخد الموضوع على كرامتك، هتعرف تقول لنفسك “ثواني.. هو بيعمل كده ليه؟” ولما تدي نفسك المساحة دي في تعاملاتك هتقدر تختار رد الفعل المناسب حسب كل شخص بتتعامل معاه بصفه مستمرة.
واحب اوضح نقطة اخيرة مهمة وهي انه مافيش مبرر للأذية، وبالتالي انت مسؤول تحمي نفسك من تصرفات الناس المؤذية مش انك توجد لهم مبررات بالقوانين اللي عرفتها دلوقتي.
كل الناس بتعاني وعندهم احساس بعدم الامان
تمام، بس ده ما يمنعش إنك تحط حدود.
كل الناس لابسة أقنعة
مفهوم، بس ده مش معناه تسيبهم يخدعوك.
كل الناس بتهرب من الاعتراف بأقنعتها
متفقين، بس لو القناع ده بيضرّك لازم تواجه صاحبه.
كل الناس جواها طفل بيحاول يحمي نفسه
صحيح، بس لو الطفل ده بيحمي نفسه علي حسابك، من حقك ترفض.
فهمك لكواليس العرض المسرحي ده اللي احنا بنعيشه تقريباً في كل علاقتنا، هيساعدك تخلق جواك مساحة من الفهم والتعاطف مع الناس وده هيخليك تبني علاقات كتير ناجحه لأنك قادر تقرأ اللي قدامك، لكن في نفس الوقت هيخليك واعي وقادر تحمي نفسك من اصحاب الشخصيات المؤذية لأنك ببساطة مش هتقدر تصلح حد رافض يشوف الحقيقة.
لو محتاج تتعلم اكتر عن طرق تغيير السلوك والتحكم في النفس، جرب تقرأ المقال ده 👇
التحكم في النفس : ١٠ حقائق علمية
زمان كنت فاكر إني عشان اقدر اغير في نفسي واتحكم في سلوكياتي او احسن من ردود افعالي، كان لازم اقرأ واتعلم كتير واجرب حلول مختلفة لحد ما ابدأ اشوف تغيير. عملت كده بالفعل واتغيرت كتير للأفضل الحمدلله، لكن العملية دي اخدت مني سنين طويلة كان فيها اخطاء وانتكاسات نتيجة محاولات فاشلة وافكار مغلوطة سواء من اشخاص بيقولوا انهم مختصين او حتي كتب وكورسات مفروض انها بتقدم حلول عملية لكنها مع الاسف بتهدف فقط للترويج والمبيعات.
مستعد لرفع أدائك الشخصي وتخطي حدود ما تعرفه عن قدراتك الحالية؟
احجز جلسة كوتشنج من هنا
عاشت ايدك على المقال الرائع 🤍